الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة بين "العبث مع نيتشه" و"مأزق تشايكوفسكي" تدور اولى حصص مختبر السرد مع كمال الرياحي

نشر في  11 أكتوبر 2014  (12:28)

كانت ضربة البداية مساء امس لاولى حصص نهج السرد الذي يشرف عليه الروائي التونسي كمال الرياحى في حلته الجديدة بعد نجاح الموسم الفارط الذي كان في شكل ورشات اسبوعية تعمل على مناقشة الأقاصيص القصيرة التي يستلهمها الأعضاء المشاركين من الغرف التي يقدمها الباحث في الفلسفة عدنان الجدي في اطار صالون الديكامرون، وكانت غرف متنوعة طالت شخصيات ادبية وسينيمائية ورسامين وفلاسفة وغيرهم (كافكا شارلى تشابلن فان غوغ نيتشة مارلين مونرو).

واكدّ كمال الرياحى في الحصة الاولى على انّه بالاضافة لمناقشة الرواية هذه السنة، ستكون الدورة بعنوان "خيال" وستواصل مناقشة الاقاصيص وجنس اليوميات والمذكرات وغيرها وكل ما يتعلق بالسرد. واضاف ان هذا الموسم سيقدم اضافة نوعية وذلك بمناقشة إدارة الحوارات التي هي ايضا فن من الفنون التي يجب ان يكتسبها اهل الاختصاص من صحفيين وعاملين في مجال الاعلام. 

وإنفتحت الحصة الأولى بلقاء مع القاص نبيل قديش الذي قدمه وحاوره كمال الرياحى. نبيل قديش من مواليد العاصمة سنة 1977 حاصل على الماجستير في الاتصالات، حائز على العديد من الجوائز الوطنية في القصة القصيرة اهمها القلم الذهبي 1999 وجائزة مهرجان الادباء العصاميين سوسة 2014  فضلا عن جائزة ملتقى ابن رشيق للكتابة السردية 2014. كما تصدر له رواية قريبا بعنوان "تشارلى". ولقد قدم نبيل قديش مجموعته القصصية "العبث مع نيتشه" التي صدرت عن دار زينب للنشر وهي مجموعة تتكون من ثمان قصص تتراوح من حيث الطول بين القصة القصيرة والمتوسطة. 

وقد بدأ كمال الرياحى حواره مع القاص نبيل القديش بالتنويه بأهمية العتبات بمصطلح جيرار جينات مؤكدا انه نجح من هذه الناحية في اغواء القارئ بهذا العنوان الجميل" العبث مع نيتشه"، فنيتشه علم معروف لكل القارئين والعبث معه ليس بالهيّن. وأضاف انّ الاجمل هي الاقصوصة التى تحمل نفس العنوان ومدى نجاحها كأقصوصة على مستويات عديدة كحسن توظيف الشخصية المرجعية وحسن توظيف تيمة العدم الا انه على النهاية -ونحن نعرف اهميتها في القصة القصيرة كشرط من شروط قيامها- ان تثير في القارئ الدهشة وهذا مالم تنجح فيه هذه الاقصوصة كثيرا ولكنها ككل قصة ناجحة وموفقة.

ويتحول بنا كمال الرياحى الى محور آخر في النقاش انطلاقا من قولة ساراماغو "الالهام لا اعرفه فالشرط الاول هو الجلوس الى الطاولة" ليسأل القاص من اين تأتى القصص وماهي مصادر الالهام في الكتابة عنده ولمن يكتب؟ ثم من خلال مصادر القصة القصيرة الذى يؤكد كمال الرياحى انها جاءت من الخرافة ومن الاحدوثة على عكس الرواية التى استمدت جذورها من التاريخ بداية من الحمار الذهبي للوكيوس ابوليوس مرورا برواية الديكامرون لجيوفانى بوكاتشو وغيرها فإنّ الخيط الرابط بينها هو التاريخ. فمن اين استنبط نبيل قديش فكرة هذه المجموعة؟

ثم مر الى التيمات المختلفة التى وجدها في المجموعة من تيمة العبث والعدم. فكيف نكتب هذه المواضيع خاصة نحن في تونس وبعد الثورة التونسية، وكذلك تيمة الموت بمفهومها الفلسفي والاستعاري وكيف عبر نبيل قديش عن هذه المواضيع في ظل ظروف راهنة متشنجة في الوسط الاجتماعى والسياسي التونسي.

ثم انتهى الرياحي الى كيفية كتابة الاقصوصة وهل يخطط القاص لقصته وهل هو واع بالشروط النظرية للقصة القصيرة وغيرها واجاب نبيل قديش على هذه الاسئلة والآراء بكل جدية مؤكدا انه في اقصوصة "العبث مع نيتشه" حاول توظيف هذه الشخصية التاريخية والعدول بها من مرجعيتها التاريخية الى توطينها في مناخ آخر هو المناخ التونسي، إذ كانت الاحداث تجرى بالبلفيدار بتونس العاصمة والعدول بها من شخصية جادة وعلمية الى شخصية ماجنة وعبثية من خلال اضافة هذا الجانب الايروسي كمعارضة فعلية لهذه الشخصية المرجعية وحاول فيها مناقشة تيمة العبث والعدم المعروفة عن هذا الفيلسوف الالمانى.

وعن مصادر الهامه في القصص يستشهد نبيل قديش بمقولة لوانت "لا اعتقد انك تكتب قصة قصيرة جيدة دون ان تكون داخلها قصة جيدة" والقصص الجيدة يقول هي التى تأتي من الداخل من داخل الانسان من الحالات الشعورية التى يعيشها في المجتمع واكد انه شعر بعد الثورة، كما كل التونسيون بخيبة امل اثرت على ما يكتبه، فجاءت هذه التيمات: الموت والعبث كاحد المؤشرات على هذا النفس السوداوى. واكد نبيل قديش في الاخير انه يكتب القصة القصيرة كتمرين اولي لاقتحام الرواية اذ هو بصدد نشر رواية جديدة بعنوان "تشارلى". وانتهى اللقاء بحفلة توقيع لهذه المجموعة لعدد كبير من الحضور. 

في الجزء الثانى والاخير من الحصة، بدأ كمال الرياحى بمناقشة اولى لمخطوط رواية للشاعر شوقي البرنوصى وهو احد الاعضاء المؤسسين لصالون الديكامرون وصاحب مجموعة شعرية بعنوان "كسرت المرأة باجنحتى"ّ. ويترك المجال هنا لصاحب الرواية شوقي البرنوصي لتقديم ملخص للرواية التى عنونها بـ"مأزق تشايكوفسكي" تقوم على شخصية اشكالية تعيش في مناخ تونسي رجل مثقف ولكنه يعيش مأزق الهوية الجنسية حيث يميل جنسيا الى الرجال ولكن الظروف الاجتماعية تجعله يتزوج ويعيش حياة مزيفة مع زوجة كلما بانت ملامح الانوثة فيها الا وتقزز العيش معها.

ويقوم بناء الرواية على تقنية الفلاش باك حيث تبدأ الرواية من القطار الذي تسافر فيه الشخصية لمقابلة صديقه الذي عاش معه تجربة حب غير مكتملة ويحبه ويتمنى العيش معه. وفي القطار ومحطاته المتعددة نسترجع مع البطل اهم مراحل حياته من طفولته وصولا الى مرحلة القص مبينا هذا المأزق الذي يعيشه في هوية غير واضحة وغيرمكتملة.

يؤكد كمال الرياحى انّ موضوع هذه الرواية موضوع شيق وطريف فبناؤها واضح وسير خطها متناسق غير انه شدد عليه عدم الاكثار من الشخصيات المرجعية حيث انّ ثقافة هذا البطل تسمح له بذكر العديد من الشخصيات المرجعية التى عاشت هذا التفسخ الجنسي وكانوا من المثليين مثل هنرى جيد واليابانى ماشي ما وتشايكوفسكي صاحب بحيرة البجع والاكتفاء بمرجعية واحدة ليكتفي بصاحب العنوان فقط.

ويتدخل هنا الطبيب النفساني ايمن الدبوسي وهو احد اعضاء صالون الديكامرون وكاتب قصة ايضا ليؤكد على هذا الجانب موضحا ان هذه الشخصية بمقوماتها الذى ذكرها الكاتب هي اقوى من كل المرجعيات، شخصية لم يكتب عنها بعد، شخصية بهوية غير مكتملة او غير محتملة وهي موجودة في الواقع ولكنها غير مكتوبة والتركيز عليها وعلى هذا المأزق التى تعيشه هو اضافة نوعية في الرواية.

ويستخلص كمال الرياحى انّ هذه الرواية فيها كل مؤشرات النجاح بداية بنجاح العتبة اي العنوان ووضوح النسق ووجود النهاية، يبقى فقط ملئ بعض مناطق الفراغ وتخليصها من بعض الزوائد. هذه قراءة اولى في انتظار الدخول اكثر في عمق هذه التجربة ومناقشة فصول منها داخل المختبر في الحصص القادمة.


ابتســــــــــــــــــــام القشورى